أسماء الحسيني (القاهرة)
عاش السودانيون الساعات الأخيرة على وقع أنباء وشائعات حول تقديم رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان لاستقالته، وتعرضه لمحاولة اغتيال، وربطت ذلك باختفائه عن المشهد السياسي منذ نحو أسبوع. ونفت مصادر سودانية متطابقة لـ«الاتحاد» الأنباء التي تحدثت عن استقالة البرهان. وأكدت أن هذه الأنباء لا أساس لها من الصحة، وأن الأمور تسير بشكل عادى داخل المجلس العسكري. كما أكدت مصادر عسكرية أنه يمارس مهامه بصورة عادية، وأنه أدى صلاة الجمعة، أمس الأول، في مسجد القيادة العامة، ولم يقدم استقالته.
وكانت صحيفة «الراكوبة» الإلكترونية السودانية الذائعة الصيت قد نقلت عن أحد أفراد أسرة البرهان القول إنه تعرض لمحاولة اغتيال الأسبوع قبل الماضي، تم إحباطها بوساطة الأجهزة الأمنية العسكرية قبل تنفيذها. كما ذكر المصدر أن البرهان تقدم باستقالته 3 مرات، كان أولها يوم 19 أبريل، وآخرها كان الأسبوع الماضي، ولم يبت المجلس فيها بعد. ورفض المصدر الكشف عن تفاصيل مخطط اغتيال البرهان، والجهة التي تقف خلف محاولة اغتياله، كما رفض الكشف عن سبب تقديم البرهان لاستقالته.
وقال الصحفي السوداني عبد المنعم سليمان الذي نقل هذه المعلومات عن أحد أقارب البرهان، إن رئيس المجلس العسكري يتعرض لضغوط كبيرة. وقد سلطت هذه الأنباء والشائعات الأضواء مجدداً على شخصية البرهان، والدور الذي اضطلع به في التغيير الذي أعقب الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير، والصعوبات التي تحيط مهمته في الانتقال بالسودان إلى حكم مدني، كما كشفت حجم التعقيدات الموجودة في الساحة السودانية التي تعيش هذه الأيام أجواء مشحونة بالقلق والترقب.
وقال أحمد السنجك القيادي بالحزب الاتحادي لـ«الاتحاد» إن البرهان لم يتقدم باستقالته لثلاثة أسباب، الأول أنه ليس هناك جهة عسكرية أعلى منه ليتقدم لها باستقالته، كما لا يوجد برلمان يقدم له الاستقالة، وهو في حال عجزه عن إدارة البلاد أو عدم رغبته في الاستمرار في منصبه سيتنحى من تلقاء نفسه، والسبب الثاني أن البرهان يعلم تماماً أن تنحيه عن منصبه فيه مخاطرة كبيرة على حياته، وخاصة من الجماعات المتطرفة التي تتربص به الدوائر وتريد استهدافه شخصياً، أما السبب الأخير فهو أن البرهان لا يمكن أن يترك البلد بهذا الوضع غير المستقر، ويعلم الجميع أن وجوده يشكل ضمانة قوية لعدم حدوث انفلات أمني، قد لا تحمد عقباه في ظل ظروف شديدة التعقيد.
وقال الكاتب الصحفي السوداني الشيخ الحسين لـ«الاتحاد» إن «البرهان عسكري محترف، لم ينضم لتنظيم الإخوان في يوم من الأيام، صحيح أنه كان أحد ضباط القوات المسلحة ويأتمر بأوامر البشير ومعه كل قيادات الجيش والأمن والشرطة، لكنه هو لا غيره من جرد الديكتاتور وعصابته من سلطانهم، وزج بهم في السجون». ويرى الحسين أنه «ليس من المصلحة استعداء البرهان أو الإطاحة به، لكن على البرهان والمجلس العسكري الرضوخ لرغبة الثوار ومن خلفهم الشعب السوداني في حكم انتقالي يقود لتحول ديمقراطي وتفكيك دولة الجبهة الإسلاموية الإخوانية وإقامة دولة الوطن».
وقال معارض سوداني بارز لـ«الاتحاد» إن «البرهان شخص محايد، لكن معه في المجلس أعضاء إسلامويون. وحول قدرات البرهان قال: «إنه لا يستطيع التأثير وحده من دون نائبه في المجلس وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المشهور بـ«حميدتي». وتوقع أن يعمل البرهان خلال لقائه المرتقب مع قوى الحرية والتغيير على تقريب المسافات معها، لأنه يحتاج دعم تلك القوى. وقالت مصادر سودانية مطلعة إن ثمة خطوط سرية بين بعض عناصر قوى الحرية والتغيير مع المجلس العسكري، وأن القضية ليست خلافات بينهما، بقدر ما هي محاولة لإعادة ترتيب المشهد دون خسارة المعتصمين.
ومن جانبه يرجع الكاتب السوداني إبراهيم علي إبراهيم في حديثه لـ«الاتحاد» عدم ظهور البرهان إلى انشغاله بالجوانب الأمنية، التي تشكل تحدياً كبيراً له، ويقول: «يمكن أن نصفه بأنه عسكري مهني، وهو يسعى الآن للوصول إلى تسويات صعبة، مع رفاقه في المجلس العسكري من ناحية، ومع الجماهير وقوى الحرية والتغيير من ناحية ثانية، ومع المجتمع الدولي من ناحية ثالثة، في ظل ضغوط هائلة عليه، وأعتقد أن عليه أن يقبل بمجلس الأمن والدفاع في الفترة الانتقالية، وأن يترك مجلس السيادة للمدنيين، لأن ترك السلطات كلها في أيدي العسكريين تنتج نظاماً ديكتاتورياً، وهو أمر مرفوض تماماً».
وقالت مصادر أخرى إن هذه الأنباء تشي بتباينات داخل المجلس العسكري، وأنه من الصعب التكهن بالقادم. وأضافت: «بعض أعضاء المجلس العسكري لا يريدون تسليم السلطة للمدنيين خلافاً للبرهان وبعض من معه، وأن المشكلة أنه لو استقال البرهان فسيخلفه نائبه حميدتي، وهو ما قد يواجه برفض وتململ في الجيش، وضغوط من الشارع».
ويرى المحلل السياسى السوداني حسن بركية أنه «بعيداً عن الاستقالة، يبدو المجلس العسكري ضعيفاً، ولا يملك رؤية محددة، ويبدو أن قوات الدعم السريع تعمل باستقلالية كبيرة عن القوات المسلحة». ومن جانبه يرى الكاتب الصحفي أمير أحمد السيد أن «الضغوط الغربية أربكت حسابات المجلس العسكري، فضلاً عن الضغوط الشعبية الهائلة عبر الحشود الموجودة في الاعتصام». ويضيف: «الشارع فقط من سيحسم التطورات في السودان، وليس أمام المجلس إلا الرضوخ لإرادة الجماهير وتسليم السلطة لحكم مدني».